philosophie sociale de Mgr Grégoire Haddad فلسفة المطران غريغوار حداد الاجتماعية social philosophy of bishop Gregoire Haddad

المطران غريغوار حدّاد

ندوة حول كتاب يولا بو عاصي طنوس والحركات الاجتماعية  – الخميس 7 آذار 2019

اقامت هيئة الكتاب في جمعية معا نعيد البناء  على مسرح بلديّة الجديدة البوشرية السدّ ندوتها الثانية لهذه السنة تحت عنوان الفلسفة الاجتماعية للمطران غريغوار حدّاد من خلال كتاب صدر حديثا في باريس للسيّدة يولا بو عاصي طنّوس في دار لارماتان. وقد كان الحضور مميّزا ومؤلفا من جمعيات وشخصيات محلية ومن الانتشار اللبناني، اجتماعية وثقافية واكاديمية اتت خصيصا لتجتمع حول اسم غريغوار حدّاد.

 بدأ المحامي رشيد الجلخ رئيس الجمعية بالترحيب بالحاضرين وبالمنتدين المجموعين حول مسيرة المطران غريغوار حدّاد هذا الاسم الروحي والوطني والثقافي الكبير. كما شكر السيّد انطوان جباره رئيس البلدية الذي يشجّع الثقافة ويستقبلها في مسرح البلدية.

    ثم اطلّت د. كريستيان صليبا المنسّقة لهيئة الكتاب ورئيسة الهيئة الثقافية العالمية للجامعة اللبنانية الثقافية في العالَم  والتي تولّت ادارة الندوة فشرحت بان همومنا في لبنان المقيم والمغترب تلتقي عند ذاكرتنا المشتركة، التي نتناقلها اينما وُجدنا فنجد ينابيعها في تراثنا المشرقيّ المشترك الذي يحفّزنا على التجدّد. ونوّهت باهداف هيئة الكتاب التي تنطلق مما يحمله الكتاب في طيّاته من هذه الذاكرة ليضيء على انفتاحنا الفكري وعلى انتماء ثقافتنا الى الخليط المشرقيّ فنتج ما نسمّيه اليوم، بالعيش المشترك الذي نأمل ان نعمل على تجديده دائما بما يبني الانسان والسلام في لبنان. وهذه الندوة تندرج في هذا السياق بالاضاءة على الفلسفة الاجتماعية للمطران غريغوار حداد بمناسبة الاصدار الفرنسي في هذا الشهر لكتاب السيدة يولا  بو عاصي طنوس في دار لارماتان باريس

AVANCER VERS LA LUMIERE, expérience et témoignage, en communion avec Mgr Grégoire Haddad Collection Pensée religieuse et philosophique Arabe.

غريغوار حدّاد هو مطران الفقراء ، المطران الاحمر، المطران الثائر وفلسفته الاجتماعية مبنيّة على  الله المحبة وعلى تحرير الله والانسان. لقد آمن بالعمل الاجتماعي كوسيلة لتحرير الانسان ولاحلال العدالة الاجتماعية وكتب عن فكره ومواقفه في مجلّة آفاق فدفع الثمن باهظا. وهذه الندوة استضافت الحركات الاجتماعية التي تعمل على المبادىء التي كان يؤمن بها غريغوار حداد ورفاقه كالامام موسى الصدر وبول خوري وغيرهم. وما احوجنا اليوم الى فكرهم!

وقد عرّفت د. صليبا على الكاتبة يولا بوعاصي طنوس التي هي من تلاميذ المطران غريغوار الروحيين.وناشطة اجتماعية، تأثّرت برؤيته الاجتماعية فالتزمت في “رسالة حياة” التي تأسّست بتشجيع من غريغوار حداد. واكبت غريغوار في سنواته الاخيرة وكانت بحاجة ان تتشارك خبرتها  معه مما حفّزها على الكتابة. وقد تأثّرت عائلتها بمبادىء غريغوار فتمّ تـأسيس جمعية سُجّلت بتاريخ 5تشرين الاول 2018 ” كلنا انت” وهدفها التعاون في السجون وانشاء مراكز تأهيل داخل وخارج السجن، السلام من خلال التربية والفنون واللطف والرياضة.

اما ب.انطوان مسرة، عضو المجلس الدستوري اللبناني، والخبير لبناني في علم القانون والاجتماع،  فقد عرض كتابة بوعاصي طنّوس للكتاب كوسيلة لايصال خبرتها. انها كتابة تغنّي وتعبّر عن واقع الروح للاجيال القادمة، عن الثقة بالانسانية دون ان تنكر خالقها.

المهندس ميشال عقل   ركّزانه قد كُتِبَ الكثير المميّز عن تجارب الأب غريغوار في مجلة “آفاق” الفكرية اللاهوتية 1974، ومشروعه السياسي الاجتماعي المتمثل “بالتيّار المدني” الذي أنشأه سنة 1999، وإنجازاته في أبرشية بيروت خلال ولايته الأسقفية القصيرة عليها بين 1968-1975 لاسيّما منها المتصلة بدور العَلمانيين في إدارة شؤون الكنيسة الا ان عقل وجد أن تجربته الإجتماعية خصوصاً في أبعادها التنمويّة، لم تنل حقّها من البحث والإضاءة وهي تجربة عملية رائدة لا تزال حيّة حتى اليوم، وظاهرة إجتماعية إنمائية فريدة في بلادنا. مرتكزات هذه الحركة الفكرية وفلسفتها الإجتماعية في ينابيع ثلاثة، بُعيد إنتهاء أحداث 1958 الدامية. وهي على التوالي: أولاً الخطة الإنمائية لبعثة IRFED الشهيرة سنة 1961 بريادة الأب Lebret المؤسسة على فكرة الإنماء المتكامل والمتوازن والشامل،  وثانياً مقرّرات المجمع الفاتيكاني الثاني 1962-1965 التي قضت بربط الكنيسة بالمجتمع إنطلاقاً من أولوية خدمة المهمّشين والفقراء، وثالثاً التجارب الثّورية المسيحية التي عَمَّت أميركا اللاتينية والمظلّلة بشعار “الكنيسة ولاهوت التحرير”.

رفاق غريغوار، أصدقاؤه، شركاؤه، ومؤيدوه باتوا كثراً. ذكر منهم مارون عطاالله، جورج خضر، مكرم قزاح، موسى الصدر، سليم غزال، ميشال أسمر، كامل مهنا، حسن صعب، ندي تيّان، جوزف ولور مغيزل، يواكيم مبارك، بولس الخوري، هاني فحص، محمد حسن الأمين، الشيخ صبحي الصالح، وسواهم… وعلّق كالتالي “فمن تُراه يُعيد لهذا المُعلَّق لبنان الأمل في إعادة البناء على أسس سليمة وثابتة كمثل التي أطلقها فؤاد شهاب وشريكاه الأبوان Lebret  وغريغوار؟” وكان الجواب في الوفاء لغريغوار حداد ودعم مشروعه بكل مكوناته.

وبعد هذه المداخلة، قدّمت د. صليبا الدكتورة رباب الصدر رئيسة مؤسّسات الصدر الممثّلة بالسيّد حسن لقمان حماده واستشهدت بكلمة الدكتورة الصدر في مؤتمر “الأديان في خدمة الإنسان”باريس في 15/10/ 2016 للتعبيرعن فكر التلاقي بين الامام موسى الصدر وغريغوار حداد ومنها قول الامام الصدر بان التسامح واجب ديني قضت به جميع الأديان السماوية. وان ثقافة اللاعنف، موقف المقاومة السلمية، هي بعضٌ من المبادرة البنّاءة التي تؤسس لخطاب ينبذ الخلافات، ويُحِل محلها الرحمة والتعاطف. وتمّ عرض فيلم وثائقي عن مشاريع مؤسسات الصدر لسنة 2018 الذي يبيّن همّ المؤسسات في تمكين النساء اللبنانيات وتوصيل الخدمات للاكثر حاجة.

ثمّ انتقل الكلام للسيدة تمام مروّة المسؤولة التنفيذية للحركة الاجتماعية التي اسّسها غريغوار حداد سنة 1961. بعد عرض فيلم وثائقي عن وقع غريغوار حداد على عمل الحركة الاجتماعية ونشاطاتها، اضاءت السيّدة مروّه على اهمّية هذه الندوة بالاضاءة على فلسفة مطران الفقراء والمطران الاحمر. فان النظرة الاجتماعية لغريغوار حداد ومبادئه في العمل تتناغم ومبادىء العمل الاجتماعي الحديث فقد كان سابقا عصره وواكب هذا الفكر ويواكب الالوف ممن عملوا معه. كان لقبه “الشغّيل الفاعل” في العمل الاجتماعي وكانت الحركة الاجتماعية وما زالت المنصة التي اراد من خلالها ترجمة فكره وقِيَمه وفلسفته الى مقاربات التدّخل في خدمة الاكثر حاجة في كل خطوة بدءا من كتابة النظام الداخلي للجمعية من 1957 الى 1961 من خلال الاجتماعات الدائرية في مكتبه في بدارو، لفرادة وطليعية نظام الجمعية التي تدعى “الحركة” التي ليس فيها رئيس يُنتخب ويترأس بل مسؤول يُسأل.

اما في مقاربته في العمل الاجتماعي فكانت ترجمة لمبادىء تكرّرت في كل الادبيات فهي طليعية في تعريف غريغوارعلى الحركة “لا طائفية لا ارتجالية لا عنفية” ” والا كانت للتأكيد والتوكيد لرفضه لمبادىء غير عادلة وغير علمية كانت ولا زالت للاسف سائدة احيانا. ويشدد على اللا خيرية اي تعمل في التنمية الشاملة المتكاملة وذلك في 1958 (الا اننا نسمع حاليا عن مفهوم التنمية المستدامة) وخدمة الانسان وكل الانسان والآن نسمع بنظرية التدخل النفسي الاجتماعي وبال holistic approach اي المقاربة الكليّة، التنمية الذاتية والجماعية المتوازية التي نسمعها اليوم في مفاهيم التمكين والempowerment التي اقرّتها الامم المتحدة وصارت مبادىء العمل الاجتماعي.

اما اصراره على المبادىء اللا طائفية اللا فئوية اللا حزبية ما هي الا رفض لمبدأ التمييز بكل اشكاله. ومبدأ العمل مع الاكثرحاجة هو ترجمة للمفهوم الذي تحاول الامم المتحدة ارساءه وهو عدم اهمال احد في عملية التنمية، اما اللا عنفية والتي اعتبرها طاقة ايجابية تغييرية في حل الصراعات واحقاق العدالة وهي ترجمة فعلية لما نستخدمه اليوم لل advocacy  اي العمل المطلبي. واللا ارتجالية اي العلمية والتخطيط والعمل على الوقاية قبل العلاج، اما مبدأ اللا انتهازية اي المجانية في التطوع،  ورأى في التطوّع وسيلة للتربية على مواطنية فعّالة وتفعيل لكافة الطاقات الذاتية للمجتمع، اما اللا انفرادية اي التنسيق مع الجميع وبين الجميع ممن يهمهم امر او مشروع  بين جميع الفئات والآن نتكلم عن النتوركينغ Networking , coordination الذي تكلم عنه 1958. اما اللاموالاة واللا معارضة، رفضا للمعارضة او الموالاة المعلبة والمسبقة بل للمشاركة مع القطاع العام وليس مع السلطة في سبيل الصالح العام. وما احوجنا اليوم لهذا الموقف في المجتمع المدني في ظلّ الانتخابات الاخيرة.

اللاتجميدية اي الحركة المتحاورة في سبيل التغيير اللازم والمستمرّ في خدمة الاكثر حاجة وتهميشا. اضافة الى لقب الشغيل الفاعل في العمل الاجتماعي، اضافت مروّه لقب المؤسس في بلد “من يؤسس يشلّش” فكان المطران يؤسس ويمشي من منصة الى اخرى. اسس الحركة الاجتماعية والجامعة بلا حدود وواحة رجاء وغيرها وغيرها.

اما التحدي اليوم للحركة الاجتماعية هو في المحافظة على هذه القيم وان لا تُفرّغ من محتواها وتُبتذل. تعهّدت مروّه مع اعضاء الهيئة التنفيذية التي كان حاضر قسم من اعضائها، ترجمة المبادىء والافكار الى اجراءات تنفيذية procedures تنظم تدخل الحركة الاجتماعي واليومي.

اما السيّدة سميرة بغدادي، ، المديرة العامة لمؤسسة الصفدي الثقافية في طرابلس وعضو في الهيئة التنفيذية للحركة الاجتماعية، فقد ركزّت بان اختصار فكر غريغوار حدّاد المعلم الملهم الثائر المؤمن في دقائق هو مهمة صعبة جدا ولكنه فخر كبير لها. ويجب ان يصبح فكره ونهجه ومبادؤه مادة للبحث ومناهج للتدريس في معاهد وجامعات العلوم الانسانية والاجتماعية. لقد آثرالالتزام بالعلمانية لانه يؤمن بان المرض الذي يفتك في لبنان التعددي ويمزّق نسيج الوحدة  الوطنية هو الطائفية. والعلمانية المرتجاة لدى غريغوارغيرإلحادية لا تلغي الطوائف بل تتبنّى المواطنة الواحدة المؤسسة على المساواة والعدل والحرية وذلك لخدمة الدين وخدمته للانسان كل انسان وكل الانسان. وهذا التعبير اُّثّر في منهج خبرة بغدادي المهنية. تأثّر غريغوار بالكهنوت الاجتماعي في اميركا اللاتينية كباولو فريري وغيره وبالاب لوبري شبّع من عمل معه بمفهوم التنمية منذ الثمانينات والبعض قد يعتبره مفهوما حديثا، ولقد اكتسبت من الاب غريغوار انه لا يمكن ان نفصل التنمية عن التربية بالمعنى الشمولي، الانتقال من الوعي القَدَري (ليس فقط تعلم القراءة والكتابة) الى الوعي النّقدي ومن ثمّ الى الوعي السياسي. وبحسب غريغوار، ان الوعي السياسي هو كيف نعرف ان المشاكل هي نتيجة سياسات ولا علاقة لها بالفقيروالمحروم.

تأثّره بالاب لوبري كان من ناحية الالتزام بالمساواة والعدالة الاجتماعية وتجلّى هذا التأثّر بتأسيس واحة الرجاء. التنمية الشاملة المتكاملة والنابعة ذاتيا Développement intégral intégré et autopropulsif ، النابعة ذاتيا من المعرفة على مستوى الفرد والمجتمع. المجتمع يستمدّ ذلك من الدوافع الذاتية، اي كل انسان وكل الانسان ما يعني بشمولية الانسان وكل الناس بكل الابعاد القِيَمِيَة الايمانية والفكرية والمعرفية الى البعد الوجداني العاطفي والمهاراتي والارتباط بالجماعات. لقد عبّرت بغدادي عن تأثرها بمبادىء غريغوارفي مختلف القطاعات التي عملت فيها من تعليمية واجتماعية في الحركة الاجتماعية في مؤسسة الصفدي الثقافية وغيرها… العمل الثقافي ليس بثقافيا اذا لم يتوجه الى كل تلك الابعاد لان الثقافة تتوجه الى كلّ الانسان، اذن الى البعد التنموي والاجتماعي كان البعد الثقافي متأثّرا ايضا بفكر غريغوار حدّاد.

تذكّرت حين عملت معه على التنسيقات وخلق العنكبوت البشري لتحقيق التغيير (الادوية والمستوصفات…)، لذا دعت بغدادي الى خلق الشبكة العنكبوتية التي تعمل بمبادىء غريغوار حداد من بيروت الى المناطق اللبنانية كافة ،  ثم عرضت الرحلة مع التيّار المدني، ثم الى وطن الانسان وابعاده الذي لم نصل اليه بعد. رحلة بفكر غريغوارالى أنسنة العمل الاجتماعي والتّنموي بروحهما، رحلة من فكر غريغوار الى مجتمع الحق الخير والجمال والروح. استشهدت بان غريغوار خلع ثياب الملك ورمى الصولجان واكتسى رداء التواضع على صورة المسيح. هو اول من عمل قبل الحرب مع الاولاد المشرّدين في الشوارع مع د. جورج جدعون (Chiclets boys).

صورة لمطران احمر كالدم بعث الحياة في اجساد كانت عرضة للفقر والموت ورأى فيها  موارد المجتمع وليس سِلعًا. هاجس غريغوار كان  الكومبيوتر البشري والتنسيقات الشاملة لاحلال التنمية في الاراضي اللبنانية. غريغوار انسان يجمع كل التناقضات، الصَلب في ارادته وقِيَمه، المَرِن في تقبّله للاختلافات، الثائر في فكره الهادىء وفي خطابه المناضل، المستكين في رجائه، وقد تعلّمَت بغدادي كلمة رجاء من غريغوار حداد، وكان يدهشهم بالسكينة الداخلية التي كان يتحلى بها ويعطي مَثَل “الشجرة التي تضرب بالحجارة لانه فيها ثمارا” . وتذكّرت كيف كان يرفض المطاعم والتاكسيات ويفضل عليها “السندويش والسرفيس” وقد رفض كل محاولات الحركة الاجتماعية لوضع سيارة وسائق بتصرفه. انهت بغدادي مقتبسة “لجماعة المؤمنين قديسهم ولي ولتلامذته غريغوارنا” وعند مشهدية غريغواريقبّل من صفعه يوما. كما عبّرت عن فخرها بالتكلم عن هذا الرجل العظيم.

اما الاب مارون عطالله وتأثير مجلة آفاق على غريغوار حداد،  فبعد ان عدّد الجمعيات العديدة التي اسسها غريغوار او اثّر بها، تكلّم عن مجلّة آفاق التي اسسها سنة 1974 مع لجنة رباعية وقد صدرت سنتين في 17 عدد. وكانت المجلّة سبب أزمة كبيرة مع البطريرك للروم الكاثوليك والسينودس فنقله البطريرك من رئيس اساقفة بيروت الى مطران فخريّ على مطرانية أضنا في تركيا. تطرّقت المجلة الى مواضيع جريئة وكان وراءها، تخطيطا وتنفيذا، الفيلسوف بولس الخوري الذي كان يكتب  كل عدد بكامله بالفرنسية فتتوزّعها هيئة التحرير ويضعونها بالعربية مع بعض الاضافات. وعند نشوب الازمة، كان غريغوار في المواجهة وحار بامره وأخذ ال17 عدد الى دمشق عند انطوان مقدسي ليتأكد اذا المجلة على خطأ او على صواب. فكان جواب مقدسي بان ” المجلة شخصت الداء ووصفت الدواء المؤاتي ولكنها سقت المريض قنينة الدواء بكاملها دفعة واحدة”. وبقي شعار حياته “بناء مجتمع مدنيّ علمانيّ من اجل الانسان، كلّ انسان زكل الانسان” وهذا نضال بلا حدود.

واكملت د. داليا فرح  ان اهمية مجلة آفاق تكمن في اتجاهها الفلسفي و في بعدها الانتروبولوجي. وقد ركزّت على ثلاثة ابعاد انتروبولوجية للانسان: البعد الاول بناء الانسان الفرد من خلال وعي الانسان لذاته، تحرّر الانسان وقدرته على الحكم الصائب، البعد الثاني هو الجماعة الحيّة المشاركة: ان الانسان لا يستطيع ان يحقق ذاته الا من خلال المجموعة وتكاتفه معها ليصبح عملا مشتركا وهذه هي اهمية الجماعة بالنسبة للفرد. والبعد الثالث هو البعد الحضاري الثقافي: ان الانسان لا يستطيع ان يخلق هذه الحضارة والثقافة الا من خلال تحرير نفسه ومن خلال تفاعله مع الآخرين وهنا يكمن البعد الحضاري والثقافي للشعوب. ركزت آفاق على هذه الابعاد الثلاثة لكي تجعل من الانسان اكثر انسانية ومحبة وانفتاحا على الآخرواكثر تحقيقا لمجتمع افضل. واذا كان غريغوار وتيار دو شاردين وابن رشد وغيرهم من العظماء لم يُقدّروا في عصرهم لانهم كانوا يسبقون عصرهم avant gardistes progressifs، نتمنى اليوم ان نستطيع فهم العظماء في مجتمعنا وان لا نظلمهم كما مع غريغوار وغيرهم وان نصبح اكثر انسانية ومحبة في مجتمعنا.

وبعدها قالت يولا بو عاصي طنوس كلمتها التي ركزّت فيها على شكرها للاب مارون وعلى انها ليست كاتبة ولا شاعرة ولا فيلسوفة وكتابتها كانت امنية غريغوار لتوزيعها وتعليمها. وبفضل ب.انطوان مسرة تحوّلت الكتابة مشروع كتاب كما وبفضل ب.مشير عون وانطوان فليفل وبولس الخوري. عبّرت ايضا بان الكلمة تولد والنور يولدنا من جديد.  كان هدف غريغوار الانسان وكل الانسان وتمنّت ان نساهم جميعا بولادة بلدنا من جديد. وشكرت غريغوار الذي جمعنا وتمنّت النجاح لنا جميعا في تحقيق فكر غريغوار.

وقد تمّ بعدها نقاش تفاعلي مع الحضور بادارة د. صليبا ومن ابرز المداخلات كانت مداخلة ب. انطوان فليفل مدير المجموعة التي صدر فيها الكتاب في فرنسا. شرح كيف  وضع اسس هذه المجموعة سنة 2011 بمساعدة ب. مشير عون واصدرت مجموعة Pensée religieuse et philosophique Arabe عند لارماتان حتى اليوم 38 مجلّد لاجمل مفكرين في لبنان والعالم العربي. اما فيما يخصّ غريغوار حدّاد فقد اكتشفه فليفل خلال كتابته لاطروحته في اللاهوت السياقي. وقد اثّر فيه التحرير الذي ينادي فيه غريغوار للمسيح من الكنائس ومظاهر الغنى وتحرير المسيح من المسيحيين لابراز المسيح الذي يحرّر الانسان.

اما ب. مشير عون فجاوب عن انطلاق غريغوار من الانسان الى المجموعة والشعب. اعتبر غريغوار ان وجوب تحرير الانسان من العبوديات التاريخية المتراكمة. اذا تحرّر الانسان يمكن ان تظهر عليه سمات الانسانية المكتملة. انما كان يعاني غريغوار من الفوات التاريخي في  مجتمعات الشرق، بمعنى ان الحداثة التي حملت شرعة حقوق الانسان والذاتية الفردية المزدانة بتحسسات الجماعات وثقافاتها وحداثتها قد فاتت مجتمعاتنا الشرقية بتاريخية وزمنية مختلفة عن المجتمعات الغربية. يعيّب على المجتمعات الغربية اصرارها على الفرد ويقال انها تعيد حساباتها لاعادة استدخال البعد الجماعي. المطران غريغوار حداد كان حاملا البعد الفردي والبعد الجماعي، الشعب بمعنى اذا لم ينتمي الانسان لا يستطيع العيش في الفضاء الاثيري، لذا كان يريد تحرير الفرد لاعادة ادخاله في الجماعة وقد انعتق من سلاسل الهيمنة والتغريب الايديولوجي. واذا تأملنا بمسألة الفوات “فاتنا القطار” امّا نيأس وامّا نقوم بانتفاضة عظمى.

وبعدها اجرى السيّد حسن لقمان حمادة مداخلة اعتذرفيها عن د. رباب الصدر التي لم تستطع الحضور بسبب وعكة صحية و قد نوّه بالعلاقة المميّزة بين الامام موسى الصدر والمطران غريغوار حداد وذكر حادثة محل البوظة الذي يملكه المسيحي انتيبا والذي دعمه الامام الصدر بمجيئه واكل البوظة على مدخل المحل مما شجّع الناس على توقيف مقاطعة بوظة انتيبا. وكان غريغوار يستشهد دائما بهذه الحادثة.

ثم قام السيد انطوان الخوري طوق بشهادة معرفته بغريغوار حداد المطران الاحمر. خافت السلطة الروحية والسياسية من غريغوار ومن العدوى. وقد جاوب مرة غريغوار عندما اتهم بالشيوعية قائلا ” وماذا افعل اذا ماركس قد سحب ورقة من الانجيل واعتمد عليها؟” كان من المفترض ان تأخذ الكنيسة هذه الصفحة. ان آفاق قد حدّثت الخطاب الديني وبما ان مصلحته من مصلحة النظام السياسي، حوربت آفاق. مع غريغوار لم يكن هناك تفريق بين مسلم ومسيحي، كان يعمل مع النساء والرجال، صورة المرأة عند غريغوار كانت تحاكي الحداثة فالمهم العدالة مع البشر، كما وانه خلال الحرب كان يعمل في كافة المناطق. كان مثال البساطة في مساره وسلوكه. واجه اضطهدا كبيرا زكان مثالا للتسامح ويذكّرنا الاب مارون بغريغوار حداد.

وبعدها داخلة فادي العلم  الذي تأثر بفكر غريغوار والاب مكرم قزح الذي كان يعمل مع الفقراء. وقد اسس السيد علم جمعية جينيوس Genius التي تهتم بالاطفال ذو الاحتياجات والصعوبات التعلّمية الخاصة وساهم مع يولا بوعاصي طنوس وعائلتها بتأسيس جمعية “كلنا انت” التي تعنى بالمساجين. لفت ايضا الى ازمة العمل التطوعي حاليا.

وقام السيّد عبد المولى الصلح العضو في الهيئة التنفيذية للحركة الاجتماعية بمداخلة شرح فيها عمله مع غريغوار منذ السنة 1960. وركّز ان الغاء وزارة التخطيط كان خطأ كبيرا. كان غريغوار يعلّم كيفية التخطيط. ويجب ان نعمل من جديد على احياء هذه الوزارة التي الغيت بعد شهاب وموريس الجميل. وبعده عبّر السيد كمال صليبا من الهيئة التنفيذية في الحركة الاجتماعية عن همّ غريغوار منذ البداية وهو الانسان الفرد والانسان المجتمع كل انسان اي المجتمع وكل الانسان بكليّته.

ثمّ تطرّق السيّد محمد المجذوب الى غريغوار الذي اكتشفه في افكار التدريب على التنمية حاليا. ودعى الى ان نعي في الانتخابات من ننتخب وما هي الخدمات التي يجب تقديمها.

وختم السيّد حسام نصار من هيئة الكتاب بشرح تسمية الشارع باسم المطران غريغوار حداد في عاليه سنة 2015. رمزية هذا الشارع بموقعه الجغرافي. انه محاط ب6 بلدات، اثنتين منها شيعية كيفون والقماطية، وبلدتين دروز بيصور وعيتاد، وبلدتين مسيحية سوق الغرب ومكسة، الممرّ الالزامي لهذه البلدات للوصول الى مدينة عاليه هو شارع المطران غريغوار حداد، ففكره هو اساس بناء الوطن والمواطنة ومنه الانسانية جمعاء.

د. كريستيان صليبا

رئيسة الهيئة الثقافيَّة العالميَّة للجامعة اللبنانيَّة الثقافيَّة في العال    

ومعًا نعيد البناء- هيئة الكتاب.

 

http://nna-leb.gov.lb/ar/show-news/396948/

https://www.al-akhbar.com/Literature_Arts/267642/غريغوار-حداد-الغائب-الحاض

http://www.monliban.org/monliban/ui/topic.php?id=4984&fbclid=IwAR1m0go4n8RoIuODOKMcE0gVW1t_kHucv5r2Q2kQ550EEFb91pSR_eTtcJA