ترأس رئيس أساقفة بيروت للموارنة المطران بولس مطر ممثلاً البطريرك الماروني الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير، قداساً على نية ضحايا الطائرة الأثيوبية، مساء أمس في كاتدرائية مار جاورجيوس المارونية في وسط بيروت، بدعوة من الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم، وبمشاركة ممثل متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة الأرشمندريت ألكسي مفرج، ممثل مطران بيروت وتوابعها للروم الكاثوليك يوسف كلاس الأرشمندريت الياس رحال، ولفيف من الكهنة.
حضر الإحتفال ممثل الرئيس أمين الجميل عضو المكتب السياسي في حزب الكتائب اللبنانية المهندس روكز زغيب، ممثلة وزير الإعلام الدكتور طارق متري مديرة “الوكالة الوطنية للأعلام” لور سليمان صعب، ممثل وزير العمل بطرس حرب أنطوان الهاشم، ممثل وزير السياحة فادي عبود جوزف حيمري، السفير الفرنسي دوني بييتون، السفير الأثيوبي أسامينيو ديبيلي بونسا، السفيرة الفنزويلية سعاد كرم والنواب: عبد اللطيف الزين، جمال الجراح، اسطفان الدويهي، وخضر حبيب، ممثل رئيس الهيئة التنفيذية في “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع النائب فريد حبيب، ممثل رئيس تكتل “التغيير والإصلاح” النائب العماد ميشال عون نقولا الصحناوي، رئيس مؤسسة الإنتشار الوزير السابق ميشال اده، النائب السابق بيار دكاش، ممثل قائد الجيش العماد جان قهوجي العميد الركن صلاح فضل الله، ممثل المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي العقيد مارون نصر، ممثل المدير العام للأمن العام اللواء وفيق جزيني الرائد أنطوان عبد الكريم، ممثل المدير العام لجهاز أمن الدولة العميد الياس كعيكاتي الرائد بيار براك، مستشار شؤون الفرنكوفونية في رئاسة الجمهورية الدكتور خليل كرم، الرئيس العالمي للجامعة اللبنانية الثقافية في العالم عيد الشدراوي، رئيس مجلس الأمناء في الجامعة شكيب رمال، رئيس مكتب لبنان في الجامعة طوني قديسي وأعضاء في الجامعة وعدد من أهالي الضحايا، إضافة إلى شخصيات سياسية ودبلوماسية وإجتماعية ودينية وإعلامية.
بعد تلاوة الإنجيل المقدس، ألقى المطران مطر عظة جاء فيها: “نلتقي اليوم حول مذبح الرب في هذه الكنيسة الكاتدرائية لنقيم الصلاة على نية ضحايا الطائرة الإثيوبية، الذين تعرضوا لحادث جوي مريع فقدوا فيه حياتهم بسقوط طائرتهم في البحر، دقائق معدودات بعد إقلاعها من مطار بيروت. كان الطقس عاصفا في سماء لبنان والجو ملبداً بالغيوم السود التي كانت تبرق وترعد وتصب على الدنيا أمطاراً غزيرة بكل اتجاه. لم يأبه المسافرون لهذه العاصفة العاتية ولا قبطان طائرتهم الذي تسلح بخبرته الطويلة في عمله الصعب، لكونهم جميعا يسعون كل إلى رزقه مهما ساءت الظروف وتقلبت الأحوال. كانوا أربعة وخمسين لبنانيا ومعهم حوالي ثلاثين إثيوبيا ومن بعض الجنسيات المتعددة، وكانت من بينهم زوجة السفير الفرنسي العزيز الواصل إلى لبنان منذ مدة وجيزة. وإذا بطائرتهم تهوي من الجو إلى البحر وقد تحولت كتلة من نار قبل أن تتكسر حطاما مبعثرة وتودي بركابها المذهولين على ما يفوق التصور من هلع ومن خوف رهيب. فتجرعوا الكأس الأمر التي يستطيع الموت أن يقدمها غصبا ودون سابق إنذار”.
أضاف: “لقد مر إلى اليوم على هذه المأساة الرهيبة حوالي ثلاثة أسابيع كانت لذوي المفقودين والضحايا دهورا من حسرة في القلب ودمع في العيون، وهم ينتظرون، العائلة بعد الأخرى، تسلم أحبائهم يعادون إليهم من لجة الغرق على غير ما كانوا يتوقون لهم من عودة بعد سفر ما كانوا يترقبونه رحلة أبدية محرومة من قبلة وداع. لقد صلينا كلنا على نية الضحايا البريئة الذاهبة إلى ملاقاة وجه ربها وأحرقنا البخور لراحة نفوسهم سائلين لهم الرحمة من رب الرحمة، وقبولا لأرواحهم في سمائه التي لا تعرف نوحا ولا بكاء بل سعادة كاملة في جوار من يمسح كل دمعة من العيون ويجعل نصيب أبراره وأصفيائه خلودا في بيته الذي لم تصنعه أيدي بشر. وفيما أجساد الضحايا تنتشل من اليم، استجابة لرجاء الأهل بأن يستعيضوا عن خسارتهم ولو بدفن أحبائهم دفنة مكرمة تبرد بعضا من غليل، تلقينا دعوة إلى هذه الصلاة صادرة عن القيمين الأحباء على الجامعة الثقافية للمنتشرين اللبنانيين في العالم، وقد شرفنا صاحب الغبطة والنيافة وكلفنا بإقامة هذه الذبيحة الإلهية باسمهم ونيابة عنه، مقدمين إياها على نية جميع الذين خسرناهم في هذه المأساة من لبنانيين وأجانب، وسائلين الله أن يتقبل أرواحهم الطاهرة في فسيح جنانه وأن يبرد غليل ذويهم وأصدقائهم المفجوعين بغيابهم الحزين”.
وتابع المطران مطر: “ومن أكثر إدراكا من أعزائنا المغتربين لعمق المأساة التي تعرض لها أحباؤنا الذين ابتلعتهم أمواج البحر الهادرة؟ هم الذين ركبوا الأخطار برا وبحرا وجوا منذ عشرات السنين وسقط من بينهم أحباء في حوادث متعددة، وهم يعاندون العناصر ويتحدون المجهول لكسب القوت لعيالهم ولتأمين مستقبل زاهر لأجيالهم وسط ظروف لا يعرف قساوتها إلا من يعانيها؟ ونحن إذ نتكلم اليوم عن انتشارهم تحت كل سماء، لا ننسى الدوافع التي أدت إلى إغترابهم وهي تحمل ألوانا شتى من المآسي والمصاعب، منها ضيق الآفاق الاقتصادية ومنها الحروب والصراعات السياسية، ولو أضيف على هذه الدوافع توق إلى التواصل والاكتشاف لآفاق عيش جديد. فيمم مغتربونا شطر الأميركيتين منذ القرن التاسع عشر، وتوغلوا في مجاهل أفريقيا من شمالها إلى جنوبها ومن غربها إلى بلدانها الشرقية، وجابوا أقطار أوروبا وقصدوا البلدان الأسيوية وأستراليا البعيدة حاملين معهم قبل كل كنز وحطام، إيمانا وثيقا بربهم وتوكلا على شفاعة شفعائهم وقيما روحية واجتماعية وإنسانية حفظت لهم هويتهم من الضياع وأنارت دروبهم في اندماجهم مع شعوب غير شعوبهم وثقافات غير ثقافاتهم. فسقط منهم الضحايا على طرقات مجهولة وتعرض بعضهم لشتى عذابات النفس والجسد ولأنواع من الاضطهاد وهدر الحقوق وسوء المصير. لكنهم جاهدوا وصمدوا، وكان المتعرضون منهم للقهر والموت شهداء لأحيائهم وفداء لهم وقوة عزم على تكملة المسيرة كرمى لعيونهم التي انطفأت على غير مشهد الأحباء وأيدي الأقارب والأعزاء”.
وقال: “إن أخواننا اللبنانيين الذين استقلوا تلك الطائرة المشؤومة الطالع، كانوا جميعا في رحلة عمل وسعي من أجل أحبائهم. كانوا لبنانيين وفرنسيين يقصدون إثيوبيا وجوارها وكانوا إثيوبيين يقصدون لبنان وجواره للعمل وكسب الحياة. كانت آمالهم كبيرة وطموحاتهم واسعة، وكانت في قلوبهم لهفة لزيارة شقيق أو صديق ولمؤاساة مريض أو نجدة رفيق. كانوا خلية نحل ترتشف الرحيق من أزهار الأرض لتضفي على عيش الأهل والأعزاء حلاوة الحب والرغيف الأبيض الحلال. وإذا كان ربهم قد اكتفى منهم بما قدموه له من إيمان به وتوكل عليه، فأدخلهم إلى سمائه وهو لنا ولهم رب الأحياء والأموات، فإننا نسأله تعالى المكافأة الصالحة لهم عن حياتهم الخيرة المعطاء. وإنا إليه كلنا راجعون. فنسأله أن يبرد غليل ذويهم ويخفف عنهم هذا المصاب الأليم والعذاب الذي لم يكن لهم طاقة لحمله. وإن لنا عزاء كبيرا بما قدمه جيشنا الأبي ومؤسساتنا المسؤولة عن الغطس في الأعماق وعن عمليات الإنقاذ التي تفانت في سبيل تحقيقها بما يتعدى القدرة البشرية، وما يفوق منا كل تصور، وبما أظهره مسؤولونا رئيسا ومجلس وزراء، وقيمين على كل المستويات، من إرادة صلبة في القيام بالواجب على ما يرضي الله والضمير. وإننا نشكر فيما نشكر القوات الصديقة التي أتت إلى النجدة والمساعدة بمراكبها المتخصصة وإراداتها الطيبة، متمنين لدولتنا المزيد من القوة والاستعداد لمواجهة مثل هذه الكوارث، وموقنين أيضا أن تقويتنا لدولتنا هي رهن بإرادتنا وبتعاوننا بعضنا مع بعض وبالعمل الدؤوب على إعلاء شأنها لتكون نصرة لكل منا وسنداً في زمن الشدة والضيق”.
وختم المطران مطر عظته: “فيما ندعو إلى إنتشال أجساد ضحايانا ليضمها تراب كل منها حيث يرقد لها آباء وأحباء، نسأله تعالى أن يجمع أرواحهم في علياء سمائه وهو خالقها وحافظها القدير. وأن يمد بالمؤاساة أهلهم المفجوعين في لبنان وأثيوبيا وفرنسا وفي كل بلد مني بخسارتهم. وباسم سيدنا صاحب الغبطة والنيافة الكردينال مار نصرالله بطرس صفير، وباسم جامعة المغتربين في العالم الداعية إلى هذه الصلاة وباسم جميع اللبنانيين نتقدم مجددا من ذوي أحبائنا الضحايا لبنانيين وأجانب، بأصدق عواطف التعزية سائلين الله أن يسكب على ضحايانا فيض مراحمه وعلى أهلهم الأحباء بلسم السلوان والعزاء”.
تحدث الرئيس العالمي للجامعة اللبنانية الثقافية في العالم عيد الشدراوي، فقال: “اجتمعنا هذا المساء لنقدم القداس على نية كل الضحايا الذين سقطوا وعلى نية عائلاتهم، ليمنحهم الرب الرجاء والإيمان بالقيامة والتسليم لإرادته”. أضاف: “نحن كجامعة لبنانية ثقافية في العالم نتوجه بإسم كل لبناني منتشر يكافح من أجل مستقبله ومستقبل اولاده، بالتعزية القلبية لكل اللبنانيين، وخصوصاً للسفير الفرنسي دوني بييتون الموجود بيننا، وهو يعلم بان كل الكلمات لا تعوض الخسارة الكبيرة، ويعلم أيضاً كم يضحي المغترب من اجل اهله في لبنان حتى يعيشوا بكرامة”.
واشار الى “اننا كنا نتمنى ان تتحسن الحال الاقتصادية في لبنان لنعود اليه”، مؤكدا “ان ال54 لبنانيا الذين فقدناهم كانوا بانتظار هذا الامر لان ايمانهم بلبنان كان كبيرا ويعتبرونه رسالة سلام ومحبة وإنفتاح على العالم”.
وتابع: “من هنا أقول لكم رغم كل التحديات والصعوبات ضعوا إيمانكم بالله، وتذكروا ان الأحباء الذين ذهبوا هم شهداء على مذبح الوطن، والشهادة لا تحصل فقط في زمن الحرب”، لافتا الى “ان لبنان أرض القداسة ورسالة حوار للشرق والغرب، والبحر الذي غرقوا فيه تابع لهذه الارض التي أنبتت قديسين. إن شاء الله تكون هذه الفاجعة خاتمة أحزاننا جميعا وفاتحة أمل لكل لبناني”.
إشارة إلى أنه تلا النوايا تقلا غلبوني عسال زوجة الضحية ألبير عسال وشقيقة الضحية زياد القصيفي.