Antoine Ghanem – 19 October 2006

انطوان غانم   هذه رؤيتي

خمس وثلاثون سنة عشتها في وطني الثاني اوستراليا، بعد ان ترعرعت وامضيت سني نموّي وتكوين شخصيتي في وطني الاول لبنان الذي دخل وجداني وتربّع فيه.

منذ السنة الاولى لاختياري اوستراليا وطنا” ثانيا” ، هذا اذا سلّمنا جدلا” ان كل لبناني يطمح الى اختيار وطن ثان ، بدأت بمشاركة متواضعة في شؤون الجالية اللبنانية وفي نشر التراث اللبناني والعمل على توحيد كلمة الانتشار لتكون صوتا” مؤثّرا” في صالات القرارات العالمية.

اليوم ، وبعد تجربة خمس وثلاثين سنة ، ارى اننا ما زلنا دون المستوى المطلوب لو قارنا انفسنا بالمجتمع اليهودي في العالم مثلا”.

صغار نحن ، في تجمّعاتنا المختلفة والمتناحرة في الانتشار، امام عمالقة المؤسّسات المتوحّدة والمؤثّرة في عواصم القرارات ومطابخ السياسة العالمية .

ضعفنا اننا انفراديّون .  ننجح كأفراد ونفشل كجماعة .

خطيئتنا اننا لا نرى سوى العيب في بعضنا البعض . . دائما” ننتقد .

كلنا نريد الاستفادة الشخصية على حساب الوطن . . كلنا نريد ان ننسب الى انفسنا اي نجاح .

وقليلنا ، قليل جدا” ، من يعترف بالنجاح لغيره ويشجّعه على القيادة .

وقليلنا ، قليل جداّ، من يعرف حدّه فيقف عنده .

مشكلتنا الكبرى هي احزابنا . .  لقد برهنت دون ادنى شك انها عنصر تفرقة .

تلك الاحزاب شتتّتنا في الوطن الام لبنان وتشتّتنا في الانتشار حتى اصبحنا تجمعات مختلفة لكل منها لبنانها الخاص. وكل منها امتداد لزعيمها في الخارج .

ووصل بنا المطاف الى المقاطعة . . مقاطعة بعضنا للبعض الاخر .

فاذا قامت جماعة منا بعمل يعود بالخير على لبنان وعلى سمعة الانتشار اللبناني ، تقاطع جماعة اخرى العمل وتعمل على افشاله . ليس لان ذلك العمل غير صالح بنظرها . . لا . . ولكن ، فقط ، لانه جاء على يد فئة تحسب سياسيا” على حزب منافس !

وهكذا تفرّقنا . . ودخلت العدوى المؤسّسة اللبنانية الوحيدة التي كانت مؤهلّة لجمع الانتشار تحت مظلتها ، اعني بها الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم .

فالى جانب نهش الاحزاب لتلك الجامعة ، ضربها مؤخرا” مرض الشخصانية فاصبحت اسيرة لبعض من ترأسها . والبعض الآخر خلق منها توأمين فاصبحت جامعتين او ثلاثا” .  ونتج عن ذلك حرب من نوع أخر ، حرب البريد الالكتروني ، تتمترس وراءه فئات مختلفة لكل منها حسابها الخاص و كل فئة تدّعي العمل لمصلحة الجامعة ولبنان! اما الحقيقة. . الحقيقة . . فهي ان المتضرّر الاكبرهو لبنان والجامعة والانتشار اللبناني .

امام هذا الواقع المأساوي ربّ سائل : ما العمل ؟

للجواب على هذا السؤال سأستعين بخبرتي في خدمة الجالية اللبنانية في ولاية كوينزلند-اوستراليا ومدينة بريزبن بنوع خاص ، فالانتشار اللبناني هو نفسه في كل انحاء العالم .

في الخمس والثلاثين سنة التي عشتها في بريزبن ، كنت لمدّة طويلة رئيسا” لمؤسّسة لبنانية اجتماعية سياسية بعد ان ساهمت بفتح مكتب لها في هذه المدينة عند اندلاع الحرب في لبنان . ثمّ اسّست وترأست مؤسّسة لبنانية اجتماعية سياسية اخرى في التسعينات . وكنت ايضا” رئيسا” للجامعة اللبنانية الثقافية في كوينزلند لسبع سنين متتالية انهيتها مختارا”، منذ شهر تقريبا”، بعد نجاح مقبول ورغبة في افساح المجال لجيل جديد قابل للعطاء وراغب في العمل من اجل اكمال المسيرة . . مسيرة نجاح الجامعة في كوينزلند ونقلها خطوة اخرى نحو الامام للوصول الى الهدف ، والهدف هو المستوى التي وصلت اليه الجاليات الناجحة عالميا” واهمّها الجالية الهودية . وهنا اود ان اذكر انه ليست لدي اية مشكلة بالتشبّه بتلك الجالية ، فالمنافسة الشريفة حق لكل انسان شريف .

في احدى الاجتماعات الاقليمية للجامعة سألني احد الزملاء : ما هو سر نجاحكم في بريزبن ؟

عند استلامي قيادة الجامعة في ولاية كوينزلند ، رسمت امامي سبع قواعد درّبت نفسي على ممارستها مع بقية اعضاء اللجنة التنفيذية واريد مشاركتها معك عزيزي القارىء .

ان سر النجاح عند اي جماعة يكمن في وجود هدف واحد مشترك ، وايجاد طريق واحدة تمشي عليها الجماعة نحو ذلك الهدف . واذا نظرنا الى تجمعاتنا اللبنانية المختلفة ، دينية كانت ام سياسية ، نراها (منفردة) ناجحة الى حد ما لانها تؤمّن الهدف والوسيلة . فالكنيسة مثلا”، مارونية كانت او ارثوذكسية او كاتوليكية في انتعاش مستمر مذهبيا”. وكذلك الطائفة الاسلامية . وكذلك ايضا” الاحزاب اللبنانية فلكل حزب هدفه الخاص وشعبيته الخاصة . ثم هنالك ايضا” جمعيات القرى التي تجمع تحت هدف واحد ابناء القرية الواحدة الموجودين في بلاد الانتشار.

ولكن . . ليس بمقدور اي من هؤلاء القول انه يمثّل الجالية اللبنانية في اوستراليا او في اي بلد آخر.

عند هذه الصورة اللبنانية الملوّنة سألت نفسي : من انا ؟

هل انا ماروني في أوستراليا ؟ ام ارثوذكسي ام سنّي ام شيعي …الخ ؟

هل انا كتائبي في اوستراليا ؟ ام قواتي ام اشتراكي ام تيار وطني ….الخ ؟

هل انا لبناني في أستراليا ؟

بعد استعراض السنين التي خلت ومراجعة نتائج عملي وعلاقاتي مع الجالية ومع المجتمع الاوسترالي ، وجدت ان الفئوية والحزبية والتقوقع يحدّون من النجاح وفي اكثر الاحيان يكونون مانعا” للتواصل مع الآخرين . وبالتالي يختلف الهدف والوسيلة فيبقى الواحد منا ضمن الدائرة التي وضع نفسه فيها ، دائرة تختلف عن دائرة اللبناني الآخر ، فيراه ولا يتمكن من الوصول اليه . لذلك كان قراري بان لا اكون ايا” من هؤلاء في اوستراليا مع احتفاظي الشخصي لميولي السياسية عندما اكون في لبنان والدينية بيني وبين ربّي .

اردت ان اكون اوستراليا” فقط لي مصالح في لبنان واعمل للحفاظ عليها . تلك المصالح تتجسّد في كون لبنان سيّدا”، حرا” ، مستقلا” وتتجسّد ايضا” في مؤسّسة لبنانية عالمية ، هي الجامعة اللبنانية الثقافية ، مفترض فيها ان تحمي وتضم كل لبناني منتشر في العالم ، وان تنشر التراث اللبناني وتحافظ على الهوية اللبنانية .

كمواطن اوسترالي ليس غير ، تمكّنت من مواجهة المسؤولين الاوستراليّين من منطلق المساواة وليس من منطلق الدونية والاستجداء . من هنا انطلقت القاعدة الاولى والاهم في نجاح جامعتنا في كوينزلند :

 نحن اوستراليون ننتمي الى المجتمع الاوسترالي ولنا مصالح في لبنان وفي الانتشار اللبناني في العالم.

اما القاعدة الثانية والتي تساوي في اهميتها القاعدة الاولى ، فكانت في اقناع الاحزاب بالتخلي عن دورها للجامعة اللبنانية الثقافية في العالم والانضواء تحت مظلّتها. واقرّ هنا بانه لا يوجد في بريزبن التنوّع الحزبي كما في سدني وملبورن مثلا”. ولكن يوجد ثلاث افرقاء : التيار الوطني ، الكتائب والقوات . واريد هنا ان انوّه بهؤلاء لوعيهم لاهمية الجامعة ولثقتهم بي في قيادتها لسبع سنين خلت ، فكانت عن حق تمثّل الجالية اللبنانية بتنوعاتها المختلفة حتى ان الاحتفال بيوم الانزك السنوي، وهو اقدس يوم وطني في اوسترالي، الذي كان التيار الوطني قد بدأ باحيائه سابقا” ، اصبح يقام سنويا” تحت غطاء الجامعة وباسمها بالمشاركة مع التيار وبمشاركة جميع اللبنانيين . ويمكنني القول بان المنتسبين الى الكتائب والقوات في بريزبن يضعون الجامعة فوق كل شيء.

لقد وصلنا الى اقتناع بانه ليس بامكان احد الغاء الآخر ،  وليس بامكان احد   ان يجمع كل الجالية كما تفعل الجامعة . كما اننا وصلنا الى اقتناع بان علاقاتنا الشخصية مع بعضنا البعض في هذه الديار هي اهم من علاقاتنا مع احزابنا المختلفة في لبنان.

اذن ماذا ينفعني لو ربحت ثقة حزب معيّن ، لا ارى زعيمه او رئيسه الا من خلال شاشات التلفزة واذا كنت محظوظا” اتمكن من التكلم اليه لبضعة دقائق عبر الهاتف ، وخسرت صداقة قريب ، لانه ينتمي الى حزب لبناني أخر، اعيش واياه في مدينة واحدة في اوستراليا مثلا” واراه يوميا” في مناسبات اجتماعية او دينية او تجارية؟؟

لا بل ماذا ينفع لبنان في انتسابي الى حزب لبناني في اوستراليا او في اي بلد اخر، اتناحر من خلاله مع فئة لبنانية اخرى تنتمي الى حزب لبناني اخر ؟

والذي يبعث على السخرية هو ان اللبنانيين في الانتشار لا يمكنهم حتى من ممارسة حقّهم المقدس في الانتخابات اللبنانية . . ! فعلى ماذا تلك النزاعات السياسية بين اللبنانيين في الانتشار ولخدمة من؟

من هنا جاءت القاعدة الثالثة لنجاح الجالية وهي ايجاد قاسم مشترك او هدف مشترك نتعاون على تحقيقه . فحق التصويت مثلا” وحق استعادة الجنسية للبنانيي الانتشار هي مطالب كلنا نتفق عليها ومشتركة بيننا .

القاعدة الرابعة تكمن في احترام وقبول الآخر ايا” كان ، واحترام رأيه بقطع النظر ان كنت اقبل به ام لا . وخلال فترة رئاستي للجامعة كنت اتقبّل الانتقادات بصدر رحب حتى ولو اتت على مستوى تجريح شخصي ، لانني تمكنت ان اكون في قيادتي للجامعة في بريزبن كالمرآة اعكس صورة كل ناظر اليها . وهكذا بقيت الجامعة في منأى عن التجاذبات السلبية الهدامة .

اما القاعدة الخامسة فهي دون ادنى شك تتجسد في المرأة اللبنانية . فالمرأة هي النصف الثاني للعقل اللبناني في الانتشار. .  انه خزان عطاء لم يستخدم كما يجب بعد .

لسبع سنين خلت ، عملت على اعطاء المرأة دورها القيادي في الجامعة وساهمت بايصالها الى رئاسة الجامعة في بريزبن وكلي ايمان وثقة بقدرتها على القيادة . من خلال المرأة نبرز في المجتمعات الاوسترالية والعالمية التي تنظر الى الاعمال الخيرية الاجتماعية كمقياس لسمعة الجاليات ونجاحها ، ومن غير المرأة ادرى بهذه الامور؟ والمرأة اللبنانية مميزة ليس فقط بجمالها بل بشخصيتها الفذة والمضيافة معا” . بقي على الرجل اللبناني ان يشجعها لاخذ مكانها الى جانبه او في قيادة الجالية .

القاعدة السادسة ترتكز على معرفة الزمن الذي فيه تنتهي مسؤولية شخص لتبدأ مسؤولية شخص اخر في القيادة . وتتطلّب القدرة على القبول بالتنحي وافساح المجال لدم جديد. هذه القاعدة هي من اصعب القواعد في مجتمعنا اللبناني وقد عانينا وما زلنا نعاني من عدم القدرة على تطبيقها لانها تتطلب شجاعة وارادة قويتين .

القاعدة السابعة والاخيرة وهي الابتعاد عن وحول السياسة اللبنانية وعدم تأييد فئة في لبنان ضد فئة اخرى ، فالجامعة يجب ان تكون على مسافة واحدة من جميع الفئات في لبنان . لذلك كنا في بريزبن على استعداد لاستقبال اية شخصية لبنانية تزور اوستراليا بقطع النظر عن ميولها السياسية او الدينية . فمن خلال هذه القاعدة تمكنا من كسب ثقة جميع اللبنانيين.