Mature young generation rules – Hamid Awad – 19 October 2006

الأمر للشباب الراشد

حميد عواد*

محرّك الرقي و رصيد النجاح في المجتمع البشري هوالفكر المتشبّع بالقيم الإنسانية النبيلة و المتجذّر في رحاب المعرفة و المتخصّب بالتلاقح الثقافي و المتحفّز إلى الإستقصاء و التحرّي و التحليل بحثاً عن الطاقات الخلاّقة و غوصاً في آفاق مستقبل مطّرد الإزدهار. 

تتضافر غالبية الجهود البشرية البنّاءة لترفع مداميك الصرح الحضاري و تدفع بزخمها مراكب الموكب الإنساني شقّاً لعباب فجر جديد جزيل الخيرات. 

لكن في ظلّ مواجهة تحديات الحداثة  و في لجج النزاعات المتفاقمة التي حرص على تأجيجها و إحباط حلولها متزمتّون من مختلف أطرافها، فرّخت بدع الإنحراف و التعصب و استحوذت غرائز العداء و الكراهية على أذهان الأغرار. 

فتخدّر الفكر و أدمن على جرعات الحقد المنشّطة لشتّى سبل “الإنتقام”. 

هناك سباق محموم بين شاحذي الذهن على محكّ إستيعاب الثقافات و تنمية المهارات و بين مشعوذين ينتحلون صفات القيادة و الإجتهاد و الهداية ليضللوا البسطاء الساذجين  فيسوقونهم إلى كهوف الجهل ليمعنوا في تفخيخ ضمائرهم.  إن صلاح إعداد و تثقيف العقول اليافعة يتوقف على كفاءة و أهلية المعلم. 

لذا فإن أي جهد مجدٍ للإصلاح في المجتمع يبدأ بتوفير سبل تحصيل المعرفة و اكتساب الخبرة و الحنكة لأبنائه و ترويج النقاش المثمر و الصريح المرتكز على فكر نقدي مرن يقارع بالحجّة و يبرم الأدلة الدامغة ليثبت اليقين. 

هكذا إعداد هو الأساس الصلب الذي تبنى عليه الديمقراطية الحقّة و من دونه تتقوّض لتنقلب مسخاً يحكّم مستبداً برقاب رعية مدجّنة. 

إننا ندعو شباب لبنان إلى التيقظ و رفض الإنقياد العفوي إلى محاور الإستقطاب التي يغزلها بعض السياسيين لجذبهم و إلحاقهم بحاشية المصفقين لإرتباطاتهم الملتبسة. 

فليثبت شباب لبنان ثقتهم بأنفسهم و ليكونوا على مستوى إعجاب العالم بنضجهم و إنجازاتهم، و هو ما حرص على إبدائه السفيران جايمس واط و باتريك رينو في مقابلتين وداعيتين مع جريدتنا الرائدة “النهار”، حيث أشادا بدورهم الحاسم في خوض مسيرة الإستقلال فيما غمزا من قناة نرجسية و ضيق أفق أرباب السياسة. 

ليعلن شباب لبنان أنهم ليسوا بيادق يحركها لاعبو السياسة على رقعة شطرنجهم ليحشدوهم في مواجهة بعضهم البعض، و لا صدى يردد سجالاتهم العقيمة بل من حقهم إبداء الرأي و من الواجب الأخذ بآرائهم، علماً أن خيارات التلاقي خارج أطر “التدجين” الضيّقة متاحة. 

شباب لبنان مؤتمنون على دعم و تحصين مؤسسات الدولة و إرشاد السياسيين إلى سبل ترسيخ مقومات السيادة و الإستقلال منعاً للكبوة و ضماناً لتجاوز هذه الأنواء التي يثيرها التائقون إلى إعادة بسط سيطرتهم على مقدرات الوطن. 

إن استنفار هؤلاء لحلفائهم البلديين بصيغ و مناسبات متعددة و إلحاحهم على الإمساك بالثلث المعطل في الحكومة يبرر التخوف من “المقاصد الخفية” التي تؤكدها “هواجس” و “توجس” المستهدفين. 

لذا لن يثنيهم تطيّرهم عن قذف الحكم في غياهب الفراغ. 

إن الإلتفات إلى المخاضات العسيرة و الطويلة التي تتخبط فيها “المراجع المختصّة” بالتشكيلات الدبلوماسية مثلاً، ظاهرها و “خفيّها”، تعطي عينة عن “الشلل الرعّاش” الذي سيصيب أي تعديل وزاري “يُخطّط له” دون أن نغفل مخرج إيكال وزارة الداخلية. 

و هنا نتساءل عن الحكمة الكامنة في انتقاد بيان مجلس المطارنة الموارنة الذين دأبوا على إطلاق النداءات الحازمة و الحاسمة كلّما تحسّسوا خطراً عند منعطف مصيري. 

خاصّة و أن رعيلاً منهم بتكليف من غبطة البطريرك مار نصرالله بطرس صفير كان منكبّاً على إجراء مشاورات بين قيادات مارونية، أثار تشتتها الإحباط و الخيبة، لجمع شملها على أسس شراكة وثيقة و فاعلة في خدمة الوطن و تعزيز سيادته و ترسيخ استقلاله. 

إن الدعوات إلى عدم الإستئثار بالسلطة تكتسب صدقية متى صدرت عن جهة لم تسجل سوابق في الإستفراد بالقرار. 

و مطالبتنا باسترجاع أراض نملكها يكون لها وقع أبلغ متى امتنعنا عن السطو على أملاك الغير و أملاك الدولة، بحرية كانت أم برية، ساحلية أم جبلية. 

و المناداة بمكافحة الفساد لا تطال فقط الأموال التي رصدت للمهجرين و هدرت على إخلاءات رمزية لتنفيع الأزلام بل تشمل أيضاً تعويضات إخلاء أبنية أنشئت على أملاك الغير و الدولة، كما تطال اختلاسات و رشوات و صفقات مشبوهة وتبييض أموال و توظيفات عشوائية يحين فتح ملفاتها متى استتبت الأوضاع. 

شباب لبنان المتنوّرون و السامو المناقب، لا “حكواتية” السياسة الإستهلاكية، هم المؤهلون لإستئصال الفساد و إطلاق ورشة إصلاح جذرية و شاملة تعكس فرادة طموحاتهم و نقاوة ذواتهم و رفعة شهامتهم و جودة أفكارهم و صدق إلتزامهم. 

أيها الشباب استلهموا شعلة جبران ( شفيعكم و نصيركم ) المتوقدة في أفئدتكم و افضحوا النشاز و الشواذ بتناغم صداحكم المدوزن على “مقام لبناني” أصيل. 

قدرنا، نحن اللبنانيين، شيباً و شباباً أن نتغلّب على المحن مهما  قست و أن نبدد نوبات اليأس بمعانقة الرجاء و بترسيخ الإيمان بطاقاتنا و قدراتنا و بتنشيط الهمم لبناء مستقبل زاهر، تشوّقنا دوماً إلى بلوغه على مدى مشقّات السير على دروب جلجلة طويلة مجلّلة بالتضحيات و مضمّخة بدماء الشهداء. 

*مهندس و أكاديمي باحث في الشؤون اللبنانية